إشراقة إسلامية

يوم عرفة: لحظة تتوقف فيها الأرض عن الضجيج

في زحام أيام السنة، ثمة يوم لا يشبه سائر الأيام. انه يوم عرفة يومٌ تتسابق فيه الأرواح إلى النقاء، وتُفتح فيه أبواب السماء على وسعها، وتعلو فيه أصوات الدعاء لتلامس الرحمة الإلهية. إنه يوم عرفة، اليوم الذي يقف فيه الحجيج على صعيد واحد، في مشهد مهيب تُغلفه السكينة ويضيئه الرجاء.

ما الذي يجعل يوم عرفة مختلفًا؟

يوم عرفة ليس يومًا عابرًا في التقويم الهجري، بل هو يوم يتجلى فيه معنى العبودية بأبهى صورها. في التاسع من ذي الحجة، يقف الحجاج في صعيد عرفات، متجردين من مظاهر الدنيا، متساوين في الثياب والمقام، يناجون ربًا كريمًا لا يردُّ داعيًا، ولا يُخيّب عبدًا.

أما غير الحجيج، فيغتنمون اليوم بالصيام، إذ أخبر النبي ﷺ أن صيام يوم عرفة “يكفر السنة الماضية والسنة القابلة” [رواه مسلم]، فكيف لا نغتنم هذه الفرصة الثمينة، التي تمنحنا رصيدًا مضاعفًا من الغفران والتطهير؟

عرفة يوم المعرفة

ليس من قبيل المصادفة أن يُشتق اسم “عرفة” من الجذر ذاته الذي اشتُقت منه كلمة “معرفة”. ففي عرفة، يتعرف الإنسان إلى نفسه، ويقف على حقيقة ضعفه وحاجته. في لحظة خلوة صادقة، ينكشف الغطاء، وتظهر العيوب، ويصبح الدعاء هو اللغة الوحيدة التي يفهمها القلب.

وفي عرفة أيضًا، نتعرف على ربنا أكثر، نناجيه بلا واسطة، ونسكب بين يديه كل ما خبأناه من ألم، وخوف، وتقصير، ونرجوه بعين باكية وقلب يثق في رحمته الواسعة.

فضل يوم عرفة

فضل يوم عرفة

يوم عرفة ليس يومًا عاديًا، بل هو من أعظم أيام الله، يختص بفضائل عظيمة تجعله موسمًا للنفحات الربانية والمغفرة. فقد ورد في صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده”. وهو ما يبيّن عِظَم أجر هذا اليوم حتى لغير الحاج.

أما للحجاج، فهو يوم الوقوف بعرفة، الركن الأعظم من أركان الحج، حيث يقفون خاشعين متضرعين، يُغفر لهم وتُعتق رقابهم من النار، كما جاء في الحديث:
“ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة” (رواه مسلم).

وفي يوم عَرفة يُستحب الإكثار من الدعاء، وخاصة الدعاء الذي قال فيه النبي ﷺ:
“خير الدعاء دعاء يوم عَرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.

إنه يوم يتجلى فيه كرم الله وسَعة رحمته، وفرصة لتجديد العهد مع الله، والتوبة الصادقة، والانطلاقة بنقاء قلب وصفاء نفس نحو عام جديد من الطاعات.

فرصة لا تتكرر

يوم عرفة لحظة تتوقف فيها الأرض عن الضجيج فضل يوم عرفة

يوم عرفة هو فرصة سنوية، لكنها ليست مضمونة العودة. من منا يضمن أن يشهد عرفة المقبل؟ لذلك، فإن العارفين بالله لا يدعون هذا اليوم يمر مرورًا عاديًا، بل يجعلونه يومًا للاعتكاف، للدعاء، لمراجعة النفس، وللكثير من الأمل.

وليس شرطًا أن تكون في عرفات لتنال فضل هذا اليوم [mfn]ابن باز[/mfn]، فالله الذي وسعت رحمته كل شيء، وسّع أجر يوم عرفة ليشمل من صدق فيه النية، وأحسن فيه العمل، ولو من بيته.

كيف نغتنم يوم عرفة؟

  • بالصيام إن لم نكن في الحج.
  • بالدعاء، وخاصة في الساعات الأخيرة قبل المغرب.
  • بقراءة القرآن وتدبره.
  • بالاستغفار والإكثار من “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
  • بزيارة الرحم وصلة الأقارب.
  • وبكتابة صفحة جديدة مع الله.

ومضة الختام

يوم عرفة ليس مجرد موعد ديني، بل هو يوم ترتفع فيه الأرواح، وتتطهر فيه القلوب، وتُجدد فيه العهود مع الخالق. فليكن هذا اليوم نقطة تحول، لا تكرارًا لمواسم سابقة لم نُحسن استغلالها.

إنه يوم للعودة، فهل نعود؟