ومضات فكرية

اللي يربي حمام لا تُقبل شهادته

من الخرافة إلى الفهم العميق للمجتمع

مقولة شعبية غريبة تتردد على ألسنة البعض: “اللي يربي حمام لا تُقبل شهادته”. في هذا المقال نكشف أصل العبارة، خلفياتها الثقافية، ولماذا من المهم أن نُعيد التفكير في أحكامنا المسبقة.

في مجتمعنا، تنتشر عبارات ومقولات تُقال على سبيل الحكمة أو المزاح، لكنها تحمل بين طيّاتها أفكارًا عميقة، أحيانًا مظلِمة. من أشهر هذه المقولات:
“اللي يربي حمام ما تقبل شهادته”
عبارة قد تبدو طريفة، لكنها عند التأمل تفتح أبوابًا من الأسئلة: لماذا؟ ومن قال؟ وهل نُسقط قيمة الإنسان بناءً على هواية؟

أصل (اللي يربي حمام ما تقبل شهادته):

تعود جذور هذه المقولة إلى النظرة الاجتماعية القديمة لمُربي الحمام، خصوصًا في البيئات التي ترى أن تربية الحمام نشاط لا يليق بـ”الرجل الجاد”، أو تُربطه أحيانًا بسلوكيات مشبوهة أو “بطالة” أو حتى “التجسس من فوق الأسطح”!

كان المجتمع الريفي أو المحافظ، يرى في تربية الحمام ترفًا زائدًا، وربما يُخفي خلفه نوايا سيئة أو عبثًا لا يليق بشخص يُفترض أن يكون “مُحترمًا” و”موثوق الشهادة”.

الفكرة الأعمق

ليست المشكلة في تربية الحمام، بل في التحامل الاجتماعي على الأفراد بناءً على الهوايات أو المظاهر[mfn]Social influence bias[/mfn].
هذه المقولة تُشبه كثيرًا عبارات مثل:

  • “اللي يسمع موسيقى ما ينفع إمام مسجد.”
  • “اللي يرسم أكيد فاضي وما عنده شغل.”
  • “اللي يكتب شعر أكيد عايش في الوهم.”

كلها تُظهر أحكامًا مسبقة تضرب في صميم التنوع البشري.

أثر هذه العقلية

  • تقييد الإبداع: حين نربط القبول الاجتماعي بمظاهر محددة، نكبت التنوع.
  • خلق عقد نفسية: بعض الشباب قد يُخفي شغفه خوفًا من السخرية أو النبذ.
  • فقدان العدالة: عندما تُقاس مصداقية الشخص بهوايته، لا بأخلاقه أو علمه.

إعادة التفكير

  • هل نرفض شهادة طبيب لأنه يرسم؟
  • هل نطعن في أمانة مهندس لأنه يربي طيور الزينة؟

من هنا، نفهم أن المقولة قد تكون صالحة كـ”نكتة”، لكنها غير صالحة كمنهج تفكير.

الخلاصة

المجتمع الذي يحكم على الإنسان من هواياته لا يُنصف أحدًا.
تربية الحمام، أو غيرها من الهوايات، لا تُقلل من شأن أحد، بل قد تُظهر حسّه الفني، أو التزامه، أو حتى صبره في الاعتناء بالكائنات.

ففي النهاية، اللي يربي حمام… قد يكون أنظف قلبًا ممن لا يربّي شيئًا سوى الأوهام.